بداية التاريخ الهجري...بقلم الكاتب عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات
بداية التاريخ الهجري .
في السنة السابعة عشرة من الهجرة النبوية وفي عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، كتب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إليه أن يا أمير المؤمنين تأتينا كُتب مِنك ليس لها تاريخ أي تأتينا رسائل مِنك لا نعرف متي أرسلتها إلينا لأنه ليس مُحدد فيها يوم الإرسال وشهر وسَنة الإرسال .
جمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم حتى يستشيرهم في وضع تاريخ للمسلمين ، فقال بعض الصحابة : نبدأ تاريخ المسلمين بالعام الذي بُعث فيه رسول الله صل الله عليه وسلم فهو عام بداية عصر الإسلام ، وقال بعض الصحابة: نبدأ تاريخ المسلمين بعام الهجرة النبوية الشريفة من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة ، لأن المسلمين صار له دولة وكيان سياسي واقتصادي بعد الهجرة ، ثم اتفق الصحابة رضي الله عنهم بأن يكون شهر المُحرم هو بداية السنة الهجرية لأن التفكير في الهجرة كان في شهر المحرم ثم تمت الهجرة في شهر ربيع الأول ، وشهر المُحرم هو شهر انصراف الناس من الحج وكل القبائل العربية تُعظمه ، روي الإمام الحاكم في كتاب المستدرك على الصحيحين من حديث التابعي الجليل عامر الشَّعْبِيِّ " أَنَّ أَبَا مُوسَى كَتَبَ إِلَى عُمَرَ : إِنَّهُ يَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَارِيخٌ ، فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : أَرِّخْ بِالْمَبْعَثِ ، وَبَعْضُهُمْ أَرِّخْ بِالْهِجْرَةِ ، فَقَالَ عُمَرُ : الْهِجْرَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فَأَرِّخُوا بِهَا ، وَذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ . فَلَمَّا اتَّفَقُوا قَالَ بَعْضُهُمْ : ابْدَءُوا بِرَمَضَانَ . فَقَالَ عُمَرُ : بَلْ بِالْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ مُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنْ حَجِّهِمْ ، فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ " .
وفي ذات العام السابع عشر من الهجرة النبوية رُفع إلي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه صَك أي كتاب مكتوب فيه أن لفلان بن فلان دَين عند فلان بن فلان في شهر شعبان ، لكن تأمل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أي شعبان يا تـُري يجب رد الديون فيه ؟. هل هو شهر شعبان من هذا العام أم شهر شعبان من العام الماضي أم شهر شعبان من العام القادم ؟. العام المُراد تسديد الديون فيه غير معروف ، فلابد إذن من وضع آلية جلية توضح وتُنظم التعامل الصحيح بين الناس ، فكان الحل هو وضع تاريخ للمسلمين نقول فيه: في يوم كذا من شهر كذا في عام كذا ،
روي الإمام البخاري في كتاب الأدب المفرد والإمام الحاكم في كتاب المستدرك على الصحيحين من حديث التابعي الجليل مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ : رُفِعَ لِعُمَرَ صَكٌّ مَحَلُّهُ شَعْبَانُ .
فَقَالَ : أَيُّ شَعْبَانَ ; الْمَاضِي أَوِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، أَوِ الْآتِي ؟ . ضَعُوا لِلنَّاسِ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ .
وفي ذات العام السابع عشر من الهجرة جاء رجل من اليمن وقال لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: هناك في اليمن شيء اسمه التاريخ ، يقولون: يوم كذا من شهر كذا من عام كذا ، فجعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه يُفكر بجدية في وضع تاريخ المسلمين ، رَوَى ابْنُ أَبِي خَيْثمَةَ في كتاب التاريخ من حديث التابعي الجليل محمد بن سِيرِينَ قَالَ : " قَدِمَ رَجُلٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ : رَأَيْتُ بِالْيَمَنِ شَيْئًا يُسَمُّونَهُ التَّارِيخَ يَكْتُبُونَهُ مِنْ عَامِ كَذَا وَشَهْرِ كَذَا ، فَقَالَ عُمَرُ : هَذَا حَسَنٌ فَأَرِّخُوا ، فَلَمَّا جَمَعَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ : أَرِّخُوا لِلْمَوْلِدِ . وَقَالَ قَائِلٌ لِلْمَبْعَثِ ، وَقَالَ قَائِلٌ : مِنْ حِينِ خَرَجَ مُهَاجِرًا ، وَقَالَ قَائِلٌ : مِنْ حِينِ تُوُفِّيَ . فَقَالَ عُمَرُ : أَرِّخُوا مِنْ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ .
ثُمَّ قَالَ : بِأَيِّ شَهْرٍ نَبْدَأُ ؟ فَقَالَ قَوْمٌ : مِنْ رَجَبٍ . وَقَالَ قَائِلٌ : مِنْ رَمَضَانَ . فَقَالَ عُثْمَانُ : أَرِّخُوا الْمُحَرَّمَ فَإِنَّهُ شَهْرٌ حَرَامٌ وَهُوَ أَوَّلُ السَّنَةِ وَمُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنَ الْحَجِّ . قَالَ : وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ .
اللهم اجعل هذا العام الهجري الجديد عام فتح ونصر وعزة ورفعة للإسلام والمسلمين في أرجاء العالم .
بقلم . د / عزام عبد الحميد أبو زيد فرحات .
تعليقات
إرسال تعليق