تحليق ....بقلم الاديب والشاعر علي غالب الترهوني
تحليق ...
_______
لم تعلمني الحياة كيف أصطاد العصافير .كنت أخشاها رغم ضعفها وجمالها .ابكي بحرقة عندما ارى عصفورا ميتا.وحين أراقبها وهي تحلق في السماء بجناحين صغيرين .في داخلى كنت أحسدها .لأنها ترانا من الأعالي .وترانا صغارا مثلها تماما . نتحسس ضعفها و تتحسس ضعفنا .كنت أتستيقض على أصواتها المتداخلة .ذات النغمات الموسيقية .أنزع عني الدثار وأتسلل حافيا لأجتاز الطرقة حتى أصل السقيفة .كانت السقيفة بمساحة أربعة أمتار تعلوها شجرة الدالية .ألدالية كانت بعيدة كم من المرات إشتهيت أن التقط ثمرة من عناقيدها التى تتدلي من كل فرع فيها .عناقيد سوداء حباتها تشبة أثداء العنزة .في تلك اللحظة ما تزال الشمس تطل بخجل على الربى العامر.الأسلاك الصفراء حتما تشع على الجميع .على بيت سي ميلاد الذي أكرهه كثيرا .وعلى بيت جدي سلامة الذي يقطن الأن نهاية المنحدر .وبيت سليمة التى كانت ترجمني بالحجارة كلما أقتربت من باحة بيتها .كنت صغير وأبنتها حليمة صغيرة .والمجنونة كان في ظنها أنني أسترق النظر إلى إبنتها وهي تستحم في الفناء الخلفي .انا أحب ليلى بنت سي ميلاد .
بقيت لحظات قليلة وأنا أراقب ما حولي .ولم يدور في ذهني أن عصفورة جميلة بنت عشها فوق رأسي.قلت إذن هذا هو اللحن الجميل الذي أيقظني كان يأتيني من السقيفة .عصفورة ذكية وجدت لها مخبأ بين مسطرتين من الخشب الذي شيت به السقيفة لكي ترتاح اوراق الدالية .لكن أغصانها تمددت بطريقة حلزونية تاركة البراعم الطرية التى تحمل العناقيد والمتمردة . يبدو نصفها فقط لمع تحت سطوع الشمس .الدالية جميلة وطويلة السيقان تشبة ليلى التى ولد حبي معها وسط مرج إرتدى حلة تزينة بعدة ألوان.كان اللون الاصفر طاغيا عليها .قالت ليلى أنا أحب من يعار علي .غدا أكبر وأشيخ وسيقاسمني عديد الناس حياة رسمتها لنفسي .سأنجب الاطفال وأحلم معهم مثلما أحلم وحدي الان .سوف يبني كل واحد منهم بيته هناك عند المفترق الصعب الذي جاء بنا لهذه الضيعة الضائعة .
أشعر بألمها كثيرا .هي ليست أصيلة أهل الضيعة .هرب أهلها من الطوفان الذي أتى على ضيعات بني وليد .أبي يقول .سي ميلاد من بقايا أخوالك قاطني تنيناي .تلك المملكة المهجورة الأن يعلو روباها وقمتها الحجرية مزار أحد الاولياء .زرناه ذات عام حين شاخت الارض ويبست حتى لم بجد الفئر ما يأكل في غابر الايام .لكن الوادي العتيق أنحسر بعد ذلك .حاولت الدولة العثمانية ان تصنع بديلا للموت الذي بدا يسري بين الوجوه.مات عديد الناس أسفل الوادي أما فوق الوادي كانت الحياة أرحم بقليل .حيث هناك حفر الناس السدود على أثر نهر زمزم .تلاحمت الخيام من مصب النهر إلى دلتا وادي دينار .شاهدت بعيني كيف كان الطير تسقط من القيض .تطلب الماء وهي تقف على أنوفنا دونما وجل.دونما خوف .هذا الحال هو الذي جاء بسي ميلاد .صنعنا له خيمة قبل ان يبني بيته الان .كانت الخيمة تمر بها القوافل .وفي كل مرة يتقصي الاخبار عن الطوفان .الذى أجبر الناس على الرحيل .الطوفان كان يشبه حرب الناتو التى قتلت وهجرت ومسحت ذنبها في حلمت الليل .
اعرف ما تعنيه ليلى تحديدا .كنت عندما أحب أن أراها أقلد لها صوت العصافير .وكان والدها يكره مني ذلك .أمشي ياولد .هيا ابتعد عن هذا المكان أما أنا القي عليه السلام .دون ان أرد على إهانته لي .وكنت أقنع نفسي دائما .أنا لايمكنني أن أغادر مضاربي المشتتة .احب فيها السهل حين ينتهي الشتاء وتصبح الارض طرية .أصنع لي بيتا صغير .وأقطع غصنا من شجرة اللوز ذات الزهرة البيضاء واثبته في الارض إمام المدخل الصغير .وكم اسعدني حين شاهدت أن عصفورة جميلة وقفت على الغصن المائل .لا اعرف كيف أصطادها وليلي أتعبتني.كلاهما يحلق بعيدا عني ..
_____________________
على غالب الترهوني
بقلمي
تعليقات
إرسال تعليق