ضحايا الحب والحياة....بقلم الكاتب علي غالب الترهوني


 ضحايأ الحب والحياة

_______________


على بعد ميل ونصف مسافة تفصل بين الساقية والبيت . أجلس هناك لساعات طوال .أرقب فيها كل ما يدور حولي .تبدو الخرمة التى تجثم في منتصف الطريق محطة مهمة لتجار الأعلاف .يمرون عبر قوافل تحوي من ثلاثة إلى اربعة رؤوس من ألابل .يغطون وجوههم بالخاصات الرمادية .ويتكلمرن بالشارات الغريبة .يتفقون على المكوث والرحيل مستعينين بالشارات الغريبة .

أجلس على قمة الهنشير .أحاول أحيانا أن أنظم أبياتا من الشعر .رحلت سعاد .لم أر موكبها الجنائزي .قبل لي أنهم أعدوا لها موكب صغير .ركبت هي على كرمود مزين بالقطيفة .تعلو سقفه المربع ستائر من المخمل .وفرشت ارضيته بالقطن الاحمر ..بكت كثيرا كانت إلى جوارها إثنان من عجائز أهلها اللواتي قدمن في الصباح الباكر من بلاد الغوطة البعيدة .نساء كثيرات حملن الهودج على أكفهن .كان الرجال يقفون على الدوار الرملي أين حدثت مجزرت اليوم السابع كما اطلق عليها .ضحايأ تلك المجزرة اكثر من عشرة شباب كان سعيد خطيب سعاد واحد منهم تقدم لها بعد ذلك أثرياء من ترهونة والداوون .غير أنها لبست الحداد وأنكرت على نفسها أن تخوض تجارب الحب الذي ينتهي بالموت .

مازلت أذكر قبل خمسة أعوام خلت كيف نصبت عشرة خيام .إحداها كانت خيمة سعيد شيدت في مهب الريح فإقتلعتها .نظر الرجال إلى بعضهم .ناحت النساء وزحفن على المأتم الجنائزي .وقف رجل مسن من أبيار مجي يدعى الشيخ عثمان .رفع كلنا يديه.قال بصوت جهوري .لا إعتراض على أمر الله .إن سؤ العمل للمرء وهو بين يدي ربه لا تنبأنا به خيمة إقتلعتها الريح .هيا عدن للبكاء في صمت .

وقف الرجال عند الدوار .كأنهم ينتظرون مفاجأة تصحب موكب سعاد التى تعلق بها سعيد لكن الامور مضت بسلام.

مضى الموكب من تلك الخرمة .مرت أسابيع .شهور .والحياة أستمرت بصمت .

كان يجب أن يمر العابرين إلى مدائن الشرق من ذلك الطريق .أين كان نابولي يرسم حدود مملكته من البئر إلى السياج الاخضر .جميلات روما كلهن يأتين إليه .خنزير بدين هكذا كان والدي يقول عليه .ويغمز أحيانا لسي خليفه مذكرا إياه بالنساء البيض .دحي ابيض يا حاج .والاخير يبتسم ويردد عبارته الشهيرة.كل شيء مذاقه جميل عدا الزميته ..

خالني وانا أسترجع بالذاكرة تلك الوجوه.ملامح سعاد حورية سعيد في الجنة .وبنات روما المبهرات اللواتي ينزعن ثيابهن ويغطسن في خزان المياه الدائري .أجسادهن تشبه جبنة الماعز الصفراء .مثل صور كلاسيكية بقباعاتهن الدائرية التى تزينها وردة حمراء في المنتصف.نزحف بالذاكرة رويدا رويدا إلى ان نصل إلى بيت سراكوزا الخنزير البدين..نسمعه ينادي على حثالة من الحي جاء يحمل لهم قنان الخمر المغلفة بالخيش ما ان يراه يشق المسرب حتى تنتفخ أوداجه صارخا ..أميكو أميكو ...

لا أدري تلك صورة إعتدت على رؤيتها من بعيد .لكن الذين عاشوا تفاصيلها لا يكررونها دائما .انا احب الوقوف على الأطلال.وقفت على موكب الرحيل وعلى عقبات الليل .

عندما أفكر في مغادرت المكان .يسحبني المسرب إلى دارت اهلي القديمة .على ضفة الوادي كان جدي ينصب خيمته هناك .يمر عليه تجار المضغة وأواني الفخار .يبتاع العفر قبل كل شيء.وينحر صغير الماعز لمن طالت غيباتهم .كان جدي يحب النساء كثيرا تزوج ستة منهن أخرهن جدة سعاد .وجميعهن رحلن في غياب القمر .أماسعاد رحلت في غياب الشمس .سيزحف اولادها عما قريب .سيكون معسكرهم هنا على هذا الدوار وسيرتفع عدد الشهداء .لتقوم القيامة لم يعد للحياة معنى ..

___________________

على غالب الترهوني 

بقلمي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر