صور في ذاكرة متعبة ص/١٥١ بقلم الأديب/سالم عكروتي
صور في ذاكرة متعبة
ص/151
تلكأ في النهوض ، تململ وأرق ،صفيرا وعزفا حزينا ، يوم شتوي قارس، إنكمش تحت الغطاء البالي ،فزع وخوف يلازمانه من آت غريب وإنتظارات مقلقة تترجم واقعه الضبابي ، و رحلته المضنية في دورب أيامه وسنين عمره الضائعة ، وحلم طحنته رحى اليأس والفراغ ، ساعات يومه متشابهة لا الماضي يؤثث له حاضرا يليق ولا الحاضر يشفع له مرورا يضمن البقاء ، زوبعة تتجول داخل أوصاله وعصف يأتي على آخر معاقل أحلامه، إنتفض واقفا ، نفس عميق من سيجارة ، دخان يملأ حجرته الصغيرة ، سعال مبحوح ، تمطى مرارا نظر من النافذة ، زخات المطر وأشجار السرو المتمايلة والطريق الموحل يبعثان فيه نبشا غريبا في تجاويف الذاكرة ، يذهب به بعيدا حيث الزمن الجميل و أيام الصبى ، تخطى الباب لتصفعه موجات البرد والريح و رذاذ متطاير ، تراجع إلى داخل الغرفة المظلمة ، إرتدى معطفا ،تحسس ملاليمه القليلة ،سيجارة أخرى وأم الطريق، سحب تتواتر قاتمة، السماء غائمة ، وأفق ضبابي لا يوحي بشيئ سوى روح هائمة في مسارب الحياة ،وخطى متعثرة أربكها واقع مضني وتفاصيل مقيتة، حث السير ، هرول ، خطواته إزدادت إتساعا ،ليتفادى البرك والمستنقعات الصغيرة ، المطر يستمر في الهطول ، وإصرار منه للوصول ، لغط ، صخب وغوغاء ، دخان كثيف ، دفء يعترضه وهو يمرر حذاءه على سجاد ثبت أمام عتبة الحانة، بعجالة تهالك على كرسي أعرج ، مسح على وجهه المبلل وأومأ للنادل أن هات إثنين ، تعالت الأصوات وكثر الضجيج،راح في رحلة حالمة صامتة وبكاء من القلب يقضم صبره وتجوال في الذاكرة يضج سكونه البديع،
سالم عكروتي ( أبو عيسى)
تونس
تعليقات
إرسال تعليق