غدر الزمن ....بقلم الكاتب عبد المطلب الرشدي

الكاتب عبد المطلب الرشدي

 غدر الزمن


 كانت ذكريات مليئة بالغم والحزن والأسى، وقليل الفرح والنجاح والسرور ...

فأنا الأن مقبل على سنة جديدة من حياتي وليس لي علم كيف أشق طريقي إلى مستقبلي، الذي أنظر  إليه كوحش جاحض العينين ،ضخم الجثة و سواده كغسق الليل.

كانت طفولتي التي اشبهها بماعز صغير يلاحقه قطيع من الذئاب المتوحشة،قد يتساءل البعض  لم أعطيتها هذا التشبيه...فالسبب راجع إلى أن أبناء الحي كانوا  يتحالفون ضدي لهدم وسحق عزييمتي و نفسيتي ،بالتنمر علي،   لكن لحسن الحظ  كان معي أخوايا يحميانني كحماية الأسد لأشباله، لكن وللأسف، تصدع ذلك السد المنيع، لأن أخي الأكبر اِلتحق بصفوف الدرك وأخي الأخر أصبح قابعا في البيت ،مما جعل  أبناء الحي يضاعفون تنمراتهم إلى درجة أنني فقدت ثقتي نفسي  وفي قدراتي سواء الفكرية او الجسمانية.ففي أغلب أيام الأسبوع، كانو ينظمون مباريات في كرة القدم ،ورغم أنني كنت أبرع منهم في اللعب ، لكنهم كانو يقسون علي بالرفض والقمع بحجة أنني لا املك نفسا طويلا لإكمال المبارات.

مرت السنين، كبرت، فوجدت  نفسي في المدرسة الإعدادية ،هنا تغيرت حياتي للأسوء لأن في هاته الفترة كان أبي قاسيا جدا معي لدرجة انه لم يكن يعرف في أي فصل أدرس. أتذكر مرة، ذهبت لأحضر مهرجان الموسيقى، في ساحة مولاي يوسف،  فتأخرت قليلا عن موعد دخولي الى البيت ،فإذا به يصرخ علي من اعلى  الشرفة : (انا ليس لدي فندق اذهب وجد لنفسك مكانا اَخر) لازال صراخه وألفاظه  الدارجة ترن في أذني: (انت شفتك جاي تال الفجر مالي انا عندي فندق؟ سير تقود بات فشي قنت تفو على تريكا بلاني بيها الله) اغلق النافدة وتركني وحدي للمجهول واخطار الليل و الشارع .

مشيت متعثر الخطى صوب حديقة الحسن التاني، والبرد يشق ثيابي ويخترق  جسدي  الغض الصغير،كإختراق سكين سفاح صدر ضحيته ،جلست في مقعد والخوف يلبسني من رأسي حتى أصابع قدمي فجاء ملاك في هيئة إنسان، فسألني: ما بك يا صغير جالس وحدك في هذا الوقت المتأخر من الليل؟!!! فانفجرت بالبكاء كما تنفجر الحمم من فوهة البركان،أخبرته ان ابي  طردني من البيت...فطمأنني وقال: جميع الأباء أهداهم  الله ،يقومون بمثل هاته التصرفات ،فتكون النتائج في المستقبل وخيمة. فغاب لبضع دقائق،وجلب لي  بعض الكارتون لافترشه،الا انه لم يكن كسرري الذي انام عليه في بيتي.  قضيت الليلة هناك ،والحمد لله لم يصبني اي مكروه، وفي الصباح وذهبت الى مدرستي وانا محطم ،ووجهي شاحب عدت الى البيت،حيث ضمتني أمي إلى صدرها  وهي تبكي... أما أبي الذي كان يبدو لي كوحش، فلم يعرني أي اهتمام للأسف.

ولأني كنت محبطا جدا وكانت معاناتي فوق الاحتمال أصبحت أدخن خفية ،حتى أقوى على النسيان ومواصلة مشاكلي.

 مرت السنوات اصبحت مراهقا كبرت وكبرت اِحتياجاتي المادية لكن للأسف لم يكن هناك رد من رب الأسرة لدرجة أنني كنت أذهب إلى لمدرسة بحذاء مهترئ من الاسفل .فقدت ثقتي في نفسي...نعم كبرت وكبرت معي همومي وخوفي من المستقبل ،فكنت كمن يركب المحيط الهائج والأمواج العاتية تتلاطمه،كريمة خلفها طائر نورس جريح.

 اليوم ان حصلت على شهادة الباكالوريا،وكانت فرحتي لا حدود لها ، لكن لم يفارقني الخوف من المستقبل ،لأن كل شيء لازال يبدو ضبابيا .


يتبع............


بقلمي عبد المطلب الرشدي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر