صور في ذاكرة متعبة....بقلم الأديب سالم عكروتي أبو عيسى


 صور في ذاكرة  متعبة ص 70


نسائم فجرية  لينة ورطبة  ،  داعبت  جفونه  وهي  تتسرب  من شقوق  النافذة  العتيقة ، التي  أتلفت  أغلب  ألواحها  الرقيقة  المتراصة ،  تمطى ، تثاءب  فرك عينيه  مرارا  وبقايا  كرى  مازالت  تتجول  في  أوصاله  ،النوم  الزائد  عن  العادة   وأيامه  الرتيبة  والمملة  والبطالة  المزمنة  التي  تلازمه  صيروا فيه  كل  شيئ  إلى  العدم، هكذا  منذ فقه  الحياة  وتجرع  مر  وشقاء سنينها  وهو  يجتر  أحلامه  وأمانيه  المبتورة  ، كثيرا  ما  يسرح  خياله  ويأخذه  بعيدا  إلى  مدن  النور  والأراضي  الحبلى ،  والزمن  المواتي ،ينصهر  بفؤاده  ويسبح  بعيدا  في   أعماق  الحلم  السحيق ، يسحب  نفسا  عميقا  من  سجارة  الكريستال  تخرج  دخانا  يحجب  عنه  صفاءا  وسحرا  ينشده ، لتخرج  تنهيدة  و  سعالا  جافا  تعقبها  حشرجة وتمتمات  وكلمات  مبهمة  يجتر  بعضها  ويلوك  الآخر  بزفرات  مقيتة  وتحديقا  في  سقف  غرفته  المتهالك  وطبطبة  الريح  من فوقه ، لتقوض  ما  بناه  من  أحلام  وأمنيات  كجرم  في حق  واقعه  ونفسه  وحاله  البائس،

  من السطل  المركون  جنب  فراشة  البالي  إغترف  جرعات  ماء ، تجشأ من فراغ ،  فرك  أصابعة  بطقطقات مسترسلة ، إستوى  قائما ،  فتح  الباب  القزديري  المطل  على  الفراغ  والخواء ، أحدث  صريرا  عنيدا  تشنجت  لها  أعصابة ، ليلطمه  بقبضته  مرارا  وبوادر  معركة  مع  شروق  الشمس  وصبح  يوم  جديد  ورحلة  متعبة  كما  ألفها ،  نظر  إلى  الفرن  المهجور  وقن  الدجاج  الخاوي ، ومربط  الحمار  الراحل    وزريبة  الأغنام  التالفة  ،   وترحم  في  سره  على  روح  أمه  الطاهرة  التي  كانت  تبعث  الروح  في  كل  ما  يراه  خرابا،  رحلت  التي  كانت  تؤثث  له  صباحاته  بيسير  ولذيذ  الطعام ، رحلت  أيقونة  الدار  و الضوء  الساطع  في  العتمات  ،عتمات  الحنان  والحب  ، أسند ظهره  على  الحائط  الطيني   ، مسح  دمعة  ترقرقت  على  خديه ، زفرات  مكتومة  وبكاء  صامت ،  أم  الطريق ، وأشجار  السرو  والصفصاف  على   الجنبات  يحيين  ركبه  الخائب، خطاه  ثقيلة  متعبة  ،يمشي  دون  هدف  سوى  أنه  يكرر   أيامه  ويسحبها  من  رصيد  عمره،  أشعل  سجارة  أخرى   ،حث  المسير  ،  الطريق  طويلة ، عساه  أن  يصل  إلى  عمله  حتى  لا  ينهره  مؤجره  الركيك  المتجبر ، نعم  إنه  يسرع ، يركض  لتكتمل  الصورة  وفسيفساء  الوجود  عند  الآخرين ،نعم  هو  بطل  في  مسرحية  كل  أبطالها  ضحايا  وكل  ضحاياها  أمثاله من عامة  الزمان  والمكان  والحدود  الملتوية  المفخخة  والجغرافيا  العمودية  التي خذلت  تضاريس  الأرض ، وعصفت  ببقايا  الكرامة  والعرض  ،  لتسمع  جعجعات  الرحى  وهي  تطحن الأماني  وكل  حلم  بالإنعتاق  ،و  تطفئ  بصيص  النور  في  نفق  الظلم  والقهر ،  ليسود  الصمت ، كل  الصمت  وتمر  قوافل  الجوع ، والطوابير  الذليلة  ،و يفتتح  مهرجان  الجنائز  وتفتح  مقابر  الضحك  أبوابها  وديمومة  الأحزان  والموت.............


سالم  عكروتي  (أبو عيسى)  تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر