الأبحر السبع....محمد عبد الكريم الدليمي
الأبحر السبع :
وضعت البحار ، فرتفعت السحاب ثقالا ، وحملت المعصرات ماء ثجاجا ، وحملت الغيوم البوادقة ، فسقت أرضا فأصبحت مخضرة ، وجرت عليها أنهار طوال ، فوضعت البحار واحدة فوق الأخرى كأنها طباقا بينهما برزخ لا يبغيان ، وانهار بينهما تجريان قال تعالى ( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) ٥٣ الفرقان ؛ وكل بحر له طعامه وحيتانه ، ومرجانه وكنوزه قال تعالى ( تستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ١٤ النحل ، قال تعالى ( يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) ١٩ الرحمن ؛ وللبحر شحنة كما للجبال شحنة ، ويقول سبحانه ( والبحر المسجور ) ٦ الطور ؛ ولكل مخالف برزخ قال تعالى ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ) ١٩ - ٢٠ الرحمن ؛ فكانت طبقة البحار معزولة بتنافر شحنة البحر الأخر قال تعالى ( وإذا البحار سجرت ) ٦ التكوير ؛ وكذلك كانت بحاره مظلمة ، وأمواجه متلاطمة ، فكلما زاد عمق البحر زادت ظلمته وكبرت قوة أمواجه وزادت غطرستها ، وموج البحر الأسفل غير موج البحر العلوي ، وكلما زدت عمقا دخلت في بحر أخر غير البحر الذي كنت فيه قال تعالى ( أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) ٤٠ النور ؛ ومياه مالحة صابغة ، وكثافته عالية ، وكلما زادت ملوحته زادت كثافته فزادت شحنته قال تعالى ( وإذا البحار فجرت ) ٣ الأنفطار ؛ فكانت مخلوقاته أكثر شراسة وابلغ قوة ، وأكثر قيمة وأروعها فائدة .
الحديث عن البحر يحتاج إلى مجلدات كبيرة ، فهو يحمل موسوعة لعالم أخر شبيه بعالمنا السطحي ، وكائناته كثيرة وكنوزه ابلغ وأثمن ، وروعة منظره أجمل ، واحساسه أدهش ، فكل كائن فيه هو شبيه بالكائن الأرضي ، فمنه أليف وأخر مفترس ، والاخر لطيف ، والأخير مساكن . كلهن طيب الطعم قال تعالى ( وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) ١٤ النحل ؛ ومنهن لاذع أو مالح الطعم والأخر طيب الطعام قال تعالى ( وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا ) ١٢ فاطر ؛ وكلهن له فوائده وكشف عن داء .
الكائن البحري يسير بطاقة الكهرو مغناطيسية كالقطار الكهرو مغناطيسي في البر قال تعالى ( وله الجوار المنشئات في البحر كالاعلام ) ٢٤ الرحمن ؛ فهو يحمل شحنة متنافرة لشحنة البحر مخالفة في الاتجاه ، فكلما يولد طاقة كهرو مغناطيسية في جسمه تزيد سرعته ، ويستخدم زعانفه في الموازنة والاتجاه، وذيله كذلك ، فهو الطائرة النفاذة إن شئت ، يستخدم جناحيه للموازنه والمناورة ، وهذا ينطبق على جميع الكائنات البحرية .
أما أمواجه فهي تأخذ قوتها من الأرض فشحنة البحر متنافرة مع شحنة الأرض فأرتفع الماء عن الأرض قال تعالى ( وقيل ياأرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر ) ٤٤ هود ؛ فلو زادت شحنة الأرض عن البحر لحملت البحر فوقها ولكنها تعادلت قوتهما فاطبق البحر على الأرض فكذلك التنافر ما بين الأرض والغلاف الجوي .
انظر هنا للتوازن الطبيعي ما بين الأرض والغلاف الجوي والبحار ؛ تنافر الأرض مع الغلاف الجوي جعل الهواء متحركا دائما فكذلك هو التنافر مع البحار واختلاف الشحنات ما بين البحار جعل الأمواج متلاطمة الأمد وهنا تكون قوة الموج مستمدة من الأرض لا حركة الهواء قال تعالى ( هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين ) ٢٢ يونس .
الهواء لا يستطيع حمل هذه الاطنان العملاقة من البحار حتى يجعلها تتلاطم فيما بينها قال تعالى ( وكل شيء عنده بمقدار ) ٨ الرعد ، قال تعالى ( والسماء رفعها ووضع الميزان ) ٧ الرحمن .
لا نستطيع الغوص فيما لا ينفع إلا لأهل الأختصاص ، فنحن بحاجة للفهم الصحيح لكل ما يدور حولنا نحن اصحاب لغة ؛ واللغة ذكر فيها كل شيء فلا يجوز قول بعضهم هذا لا ينفعنا ، أو هذا الكلام ليس محل اللغة ، ولو كان كذلك ما ذكره سبحانه في كتابه الكريم ، فليس عالم الفيزياء اعلم من أهل اللغة ولا عالم الكيمياء اعرف من أهل اللغة ولا عالم علم الاجتماع هم أفهم من أهل اللغة ؛ فعندما كانت لغتنا العظيمة عزيزة على أهلها كان عالم اللغة عارفا بكل العلوم ، وما كان باقي أهل العلوم يكتفي بعلمه إلا ودرس اللغة وفهم خباياها ؛ لأنه يعلم اللغة سبيل كل شيء هنيئا لمن علم علوم اللغة واستخرج منها اللؤلؤ والمرجان والزمرد والياقوت .
محمد عبدالكريم الدليمي
تعليقات
إرسال تعليق