من لطائف التفسير ..وقفة مع اَية...بقلم الأديب سعدي جوده
من لطائف التفسير ...وقفة مع آية
الحلقة الثامنة / السنة الثانية
ذكرنا في الحلقة السابقة أن العطف بالواو لا يأتي لمجرد العطف كما يعرفه النحويون و لكنه في القرآن الكريم يأتي مقترنا بأمر بلاغي يخدم المعنى و من أمثلة ذلك يقول تبارك و تعالى في سورة عبس
یَوۡمَ یَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِیهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِیهِ ٣٥ وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَبَنِیهِ ٣٦ لِكُلِّ ٱمۡرِئࣲ مِّنۡهُمۡ یَوۡمَئذࣲ شَأۡنࣱ یُغۡنِیهِ ٣
و في،سورة المعارج قال تعالى:
یُبَصَّرُونَهُمۡۚ یَوَدُّ ٱلۡمُجۡرِمُ لَوۡ یَفۡتَدِی مِنۡ عَذَابِ یَوۡمِىِٕذِۭ بِبَنِیهِ ١١ وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَأَخِیهِ ١٢ وَفَصِیلَتِهِ ٱلَّتِی تُـٔۡوِیهِ ١٣ وَمَن فِی ٱلۡأَرۡضِ جَمِیعࣰا ثُمَّ یُنجِیهِ ١٤
انظر كيف جاء،الترتيب في معرض الفرار ؟! و كيف جاء في معرض الإفتداء ؟! الإنسان يفتدي نفسه بأغلى ما يملك ولهذا رتب الأقارب حسب الأغلى ثم الأقل غلاء فقال ( ببنيه ) و هم أغلى ما في الدنيا لدى الإنسان ، ثم قال و صاحبته و أخيه ، و فصيلته التي تؤيه ، و من في الأرض .
أما في حين يذكر الفرار ، فالمرء يفر من لاقل غلاءًثم حين يتأزم الأمر يفر من أغلى الناس و لهذا جاء الترتيب ( يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و وبنيه )
و في آية من سورة الأحزاب يقول الله تعالى :
﴿ لِّيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ لأحزاب 73
و يقول تعالى في سورة التوبة :
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73)
و في،سورة التحريم بنفس،اللفظ
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (9)
انظر كيف أن الله تعالى في الإية الأولى قدم المنافقين على المشركين لأن الكلام في معرض العذاب ، و المنافقون أشد عذابا من المشركين ، لأنهم في الدرك الأسفل من النار و لأن ضررهم على المؤمنين أشد من خطر المشركين ، إذ هم العدو من الداخل و قديما قيل في المثل ( ألف عدو خارج البيت و لا عدو داخله ) و يكفي أن نعرف أن مصيبة أمة محمد صلى الله عليه و سلم و هزائمها في هذه الأيام جاءت من منافقيها الذين تسللوا إلى صفوفها و أفسدوا تراثها و أعملوا لهدم عقيدتها .
أما في الآية الثانية في معرض الجهاد فقد قدم الكفار على لمنافقين لأن الأمة إذا هَزَمت عدوها الخارجي و أوقعت مهابتها في قلوب الكافرين فإن طابور النفاق داخلها تنهار معنويته و يضعف امره ، أما إذا بدأت معركتها مع المنافقين في داخلها فإن هذا يعني حربا أهلية ، تعطي العدو الخارجي فرصة للانقضاض عليها .
و في هذا قال تعالى :
( وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) الأنفال (60)
يعني المشركين و آخرين من دونهم يعني المنأفقين
و في هذا ايحاء، أن الترويع إذا وقع في قلوب الأعداء الخارجيين انتقل بطبيعته إلى قلوب الأعداء الداخليين .
خلاصة القول
أن النظم القرآني هو من الإعجاز بحيث لا يمكن نقل كلمة من موقعها دون أن يضطرب عقد الدرر .
اسأل الله تعالى يزيدنا و إياكم بصيرة بكتابه الحكيم و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .
اعده و كتبه لكم
سعدي جوده
@الجميع
تعليقات
إرسال تعليق