بسراديب السخافة....بقلم الشاعر مصطفى محمد كبار
بسراديب السخافة
من الوهلة الأولى
قد لا أعطي للأشياء قيمة و
أتجاهلها
لكن فيما بعد أندم على كل
شيء
و عندما تغزو تلك الأشياء ذاكرتنا بتلك
الأوجاع
بكل الصور و كل تلك الحكايات المؤلمة
تلك
التي ترشدنا إلى حقيقة أنفسنا و تدلنا
على عنوان البريد الوحيد
بجرحنا
عندها تبدأ الأشياء بالتفكك التي إختارانها
بأيدينا و تأخذ منحاً آخر
بعيداً عن الرغبة التي أوصلتنا لجدار الخيبة
و الصدمة
فربما يكون ما بين نريد و ما لا نريد
هناك إمنيات مستحيلة التحقق
بعضها تتباعد عنا حتى قبل أن
نحلم بها
و بعضها الآخر تصبح مجرد صور مقتولة
بداخلنا تعن للوجع فقط
فنهروب من اليوم و نحن مكتئبين من
أي سبب كان بالأمس خائباً
أو ربما يكون الخطوة هي من تستبق
رغبتنا كي نمضي قدوماً بفارغ
الأشياء
فالسراب هي وحدها من تستعمر كل مساحة
ما نسعى إليها
أو ربما يكون الشهوة لنمتلك الأشياء البعيدة
أو هو الفضول فقط
أهي العبور من حدود اليأس إلى معجزة
الخلاص من تقودنا للعدم
القادم
أم هو مسلسل من أحداث حياتنا اليومية
حتى و لو كان
فهو يبقى مسلسلٌ ممل و متعبٌ و سخيف
بكل حلقاته الإجرامية التي تستنزف
بأعمارنا
و الجمهور الذي يتابعه بشغف فقد تحول لدمى
و إلى أصنامٍ و حجارة بلا شعور و بلا
إحساس
دروبنا قاهرة
صلواتنا كافرة
و خناجر طعننا هي ماهرة و شاطرة
في التصويب
و أحلامنا هي مدمرة و مكسورة و متناثرة
أمام الريح
و أيامنا متكالبة و متجبرة متحجرة
و كل قصائدنا هي من العبث بالكلمات
كالنجوم المنتحرة
و عندما نأتي في النسيان لنبكي كالحجر
نجد دموعنا تصبح ظالمة
فاجرة
مواعيدنا دائماً هي متأخرة على الوقت
الذي أردناه
فانا من كل الأشياء غامض اللون و شاحبٌ
بالإرتباك بدون سبب
غيومٌ راحلة و طيور السماء تبدل ريشها
قبل الخريف
أشجارٌ تخلع ثوبها أمام الشمس لتدل على
الظلام
و ظلامٌ راح يسكن بين نهدين تمارس دعارة
الزمان بكل مكان
إنه قلم حمرة و كحل و ثوب النوم الشفاف
و إمرأة تبيع كل جسدها بكل ليلة
ناكرة
بفصل من فصول الهروب من شيء مكسور
أو شيء مجهول يحول الشخص
بلا معنى
ففي المساء كلنا نحاول التلاقي و نمثل بفراشنا
دور النيام مع أجسادنا المشوهة
و الأحلام مهما أخفيناها تبقى هي كوابيس
كل الليالي بذاكرتك المتعبة
نتمدد متحجرين كأحجار البراري بالوحدة
و قلوبنا محطمة بالأحزان
و نفكر حتى قدوم الغسق البعيد مالذي دار بيومنا
و ماذا حدث و كيف
لما علينا وحدنا أن نبكي بصمت بفراشنا
بكل ليلة
توقفوا لا تقرؤوا كل النص المكتوب
إنتظروا
لقد نسيت أن أخبركم نحن أصحاب
القدرة و الرغبة نحن
نعم نحن فلا تتعجب حتى و أنت بهذه اللحظة
تفكر بالجنس
و بممارسة الجنس و ليس المهم مع من
تمارس
المهم أن نمارس الجنس و خلص كما نريد
نحن
لنشبع الحيوان المتوحش بداخلنا الذي
يثور كالثور الهائج
لنظهر بصورة الرجولة أمام زوجاتنا اللواتي
تنتظرنَ منا الكثير الكثير
فلا معنى للأحاديث بعد كل ممارسة للجنس
فهي لمواساة الضحية
فأنا أحاول دائماً أن أجد اللغز المحير
بجسد المرأة
و ما هو سر الجاذبية الإلهية بذاك الجسم الصلب
المرن اللطيف
هناك أسئلة متكررة و كثيرة لكننا نخاف حتى
الإقتراب منها
بحجة الحرام و العيب لأنني هكذا تربينا و هكذا
تقول الأديان و هكذا هي العادات
المركب يسير و القطيع متوطئين الرؤوس
بالسرب الذاهب إلى لا شيء نحو
الهاوية
فأكثر الأحداث التي تحدث في الليل
هي أحداث مثيرة للجدل
أم النهار فهو لممارسة الطقوس والعادات
المعتادة السخيفة
و الليل لا يعني لي الكثير فهو مظلة
المحبطين
فمن بعد إنتهاء كل قصيدةٍ طويلة أكتبها
أفكر
بالمشي ليلاً لوحدي بشوارع و طرقات
فارغة
أريد أن أكون وحيداً و حراً في النسيان
و أن أصرخ بتلك الشوارع بأعلى صوتي
على خيبتي البعيدة
لكني لا أملك الجرأة المطلوبة بمدن الاشباح
و مازلت أفتقد التحرر من القيد و
من الأسر
هل أنا ثرثرت لكم بتفاهات و الخرافة
فقولوا ما تريدون عني
سموني تافهاً حقير أو مجنون أحمق يكتب
سخافة العباقرة
فالفلسفة هي شكلٌ من أشكال اللغة
بدافع التأقلم مع الخسارة
ألف فكرة و فكرة تراودني بكل ليلة
ساقطة الألوان
ربما يبدو أو يجب أن أغير من نهجي
قليلاً فأسرق ما هو لي من الوقت
و أفكر طويلاً بطبعي القديم المشتت
و ربما لن أجد سبب مقنعاً لكل هذه
الاحزان
التي أوشكت على إنهاء وجودي بتلك
الحياة البعيدة
و هي تنسج ثوب الكفن المقدس معلنة
عن قرب رحلتي الأخيرة
ليست هي الكآبة وحدها من تغيبني
عن الوجود
فهناك أشياءٌ أخرى تدفعنا للإنتحار
و الهروب من المواجع
مثلاً ....... ؟
مسألة الغدر و الخذلان من أقرب المقربون
و الطعن
أو التباعد و الرحيل بعد التعلق و الإندماج
بالروح الأبدية
أو ربما هو التعمد بقتل كل أشكال
السعادة فينا
دائما أنا أسال نفسي ليش هيك عم بصير
فينا يا عالم و ليش نحن بذاتي
عذراً لقد كسرت جدار اللغة الفصحى
عن قصد
انا دائماً أفعل الأشياء التي تسقطني
و كأنني أهوى السقوط
كي أدرك معنى الأشياء التي أنا أفتقدها
دوماً
فلما أنا لوحدي يجب علي أن أدفع
فاتورة الخطأ للمجتمع الفاسد
ربما المجتمع ليس فاسداً بكامله ربما
فئة لا بأس بها
لكن تلك الفئة هي من طغت على السطح
و غطت على الوجه لوحدها
و صارت عنوان الزمن المريض بقوانين
صارمة
فربما أكون أنا واحدٌ من الفاسدين الذين
ذكرتهم منذ قليل من يدري
فبهذا الزمن لا أحد يعترف بخطئه
و لا أحد جاهزٌ ليصلح من ذاته المفسد
الحقير
أو ربما لا أكون فاسداً كما ذكرت
بلى فأنا لست فاسداً فلو كنت كذلك
لما بكيت بكل ليلة و أجهشت
بالقصيدة طويلاً
فليس لدي سوى إنطباع الخوف و
الخوف من أي شيء
من مغالطات في التشبيه و من الإنحراف
بالرؤية تجاه الغلط
فهناك مشاهد نقاشية كثيرة حادة
بين الذات و العقل
فلا يشدني الذات إليه لأجد ذاتي
فأعرف سبب الخسارة
و لا العقل يستقيل من الألم للمرة المليون
فأتوب و أرتاح من وجع الجنون
فكلما جلست أكتب قصيدتي يداهمني
الضجر من أول الحرف إلى آخر
حرف
فأتخيل المشاهد التي أرسمها بمخيلتي
على إنها حقيقية
و أنا أعيش بها و كأنها واقعٌ و أنا به
مجرد مهرجٌ أمثل دور الصعلوك
الفاشل
بكل ليلة أنتظر ما قد يأتي بجديد لكن
من هو هذا الشيء الغائب
أنظر من نافذة البيت للشارع على المارة و
المشاة المسرعين
فأنظر إلى معجزة النجوم و إصتفافها في الهواء
بمرآة السماء و إلى شكل القمر و سكونها
الجميل
فهناك يمر رجلٌ في الشارع و هو يصتحب ولده
الصغير ليقطع الطريق
و هناك سيارة خضراء تحمل جنازة غريب
و هي تقف بوسط الشارع
بإنتظار إشارة المرور لتعبر بكل الحكاية
و تختم رحلة العمر بذاك المشوار لذاك
الغريب المتوفي
و هناك إمرأة تجلس وحيدة و هي تبكي
عند الجدار المقابل لبيتي
فلا أدري إلى يذهب ذاك الرجل مع
ولدهِ
و لا أعلم لماذا تبكي تلك المرأة المكتأبة
أمام نافذتي
أرتدي بيجامة كحلي اللون و بيدي فنجان
القهوة و سيجارتي بين إصبعي
طاولة بمنتصف الصالون بأربعة كراسي
خشبية
لوحة أحصنة ملونة على الجدار و كتب
بقصائدي بأدراج الخزانة
في هذه اللحظات كل شيء كالمعتاد
بشكله حر إلا مذكرة النسيان
فهي تسجل كل اللحظات بين صفحاتها
الأخيرة
فهل فكر أحدكم إلى أين نحن نمضي
و ماذا نريد
لا تقل شيئاً الآن يا أيها القارئ
فكل ما ستقول هو للهروب من السؤال
بالمختصر
لم نعد نملك جواب واحد لآلاف الأسئلة التي
تطرح نفسها بنفسها
لقد خسرنا كل شيء و جربنا كل شيء
حتى بشكل القيامة
فالحياة ليست هي للأكل و الشرب و اللعب
و الركض خلف الشهوات و للإنكسار
إنما هي محطة تافهة للمسافرين الغرباء
فالبعض سيتذكر طريق العودة لزمن النهاية
بزمن قصير
و بعضهم سينسى من شدة الحرمان حتى
حروف أسمه
و أين ولدَ و بأي زمان و من حمله ليكون
كما كان
سينسى متى سيكون موعد القطار الذي
سيحمل رفات المسافرين
لكن المهم إنه سيأتي ذاك القطار بآخر المطاف
و سيمر على الجميع
فلن يبقى في تلك المحطة خلف الراحلين
إلا صور الخيبة
و بعض القصائد التي كتبت على ورقٍ
أبيض
و هي تتطاير بين مقاعد البدلاء بتلك المحطة
من بين أرجل المسافرين الجدد
ستنسى مهم كنت صاحب المقام العالي
كما الآخرين
فأنت راكب القطار السريع لعالم الغياب
مهما كبرت و مهما فعلت من أشياء
و إن تزوجت
و إن طلقت
و إن أكلت و شربت كأساً من النبيذ
الأحمر
و إن ركبت السيارات الفاخرة و اليخوت
و إن ملكت قصوراً مقابل خيام
الفقراء
و إن ظلمت و قتلت و شردت و سرقت قوت
الحمام
فسيبقى أسمك المسافر المتوفي
فأنت ذكرى الراحل
و ستنسى تلك الذاكرة التي دونت و نقشت
أسمك بجدارية القوافي
بلمح البصر سيختفي من كتب المستعجلين
تاريخ المكان و شكل الزمان
و سيأتون غيرنا من المسافرون الجدد
إلى ذات المحطة
و سينتظرون دورهم للسفر بذات
القطار
و هم وحدهم سيرتبون الكلمات المتقاطعة
بجريدة القدماء
لضياع الوقت بساعة الضجر الأخيرة
بمنتصف كل شيء
فلا أثرٌ سيبقى من بعد الرحيل
فلا تجازف يا أيها القوي الظالم بالرهان على
سقوطي وحدي في الهلاك
فإن طريق الموت معلقٌ بسلاسل القيامة
سيجر الجميع إلى ذات الحفرة و
ذات المذاق بالوجع
الأخير .........
ابن حنيفة
مصطفى محمد كبار
ابن عفرين حلب سوريا ٢٠٢٤/٨/١٣
تعليقات
إرسال تعليق