شتاء وانتهاء.. بقلم الشاعرة والكاتبة/بيسان مرعي

 


.... شتاء وانتهاء .... 

مطر غزير مع أصوات الرعد ولمعان البرق لم يهدأ منذ أن حل المساء، بدا وكانه يقرع طبول حروب داخلية في بعض القلوب المتعبة والمنهكة...

فهناك من يتضرر من عواصف ثلجية 

وهناك من يتضرر من عواصف الزمان ، التي تهد الكيان.

وهذا ما شعرت به ابتسام ( التي فقدت الابتسام في حياتها)، فحين سمعت قطرات المطر الغزير، شعرت كأنها رصاصات موجهة الى قلبها...

أزاحت الستار عن النافذة، لتتأمل المطر وهو يكاد يخترق الجدران لشدته، فأحست بأنه اخترق جدار قلبها وهشمه، أو بالاحرى هشم ما بقي من أشلائه.

وبدأت تشعر بقطرات مطر غزيرة تنساب على وجهها، لتنتبه بأن قطرات دموعها هي التي تنهمر بغزارة...

ففي يوم ماطر كهذا، كان للقدر حكاية قاسية جدا مع ابتسام، حيث نزلت يومها للسوق رغم غزارة الامطار ورداءة الطقس، واشترت لطفليها معطفين يذودان عنهما ذلك البرد القارس، وهي التي تخاف عليهم من نسمة الهواء...

وجهزت نفسها لزيارتهما الاسبوعية كالعادة، فقد كان الطفلين يعيشان مع والدهما بعد الانفصال الذي حدث بينه وبين ابتسام، ورفض ان يعطيها طفليها وسمح لها برؤيتهم وزيارتهم يوما واحدا في الاسبوع...

لكن ابتسام ذلك اليوم، لم تستطع اعطاء طفليها المعطفين، حيث فوجئت فور وصولها عندهم يشيران ويلوحان لها وهما بالسيارة ...

أحست بخنجر في قلبها، لحقتهما تحت الشتاء الماطر العاصف، فور سماعها بأنهم متوجهون للمطار للسفر خارج البلاد...

كادت ان تفقد عقلها، وركضت وراء السيارة وهي تلهث وتصرخ وتستجدي، حتى أبكت الحجر...

ولكن لا حياة لمن تنادي...

فأحيانا يكون الحجر أرق من قلوب بعض البشر..

وظلت ابتسام تركض خلف السيارة، علها تحظى بقبلة وداع وعناق تشم به رائحة أطفالها قبل السفر، لكن لم تستطع للأسف.

واختفت السيارة عن الأنظار، وابتسام تركض تحت المطر الغزير كالمجنونة وتصرخ،: 《 أريد أولادي ... أعيدوا لي أولادي 》...

ثم فقدت وعيها ونقلت الى المستشفى، وعندما استفاقت كانت الطائرة قد حضنت أطفالها وحلقت بهم الى أوروبا....

ومنذ ذلك اليوم ، فقدت ابتسام كل الابتسام والفرح والسعادة...

وبدأت تعزف الحان الحزن والالم على قيثارة الغياب...

منذ ذلك اليوم، وقطرات الشتاء تعيد لجرحها النازف وجعه وتضاعفه... 

وتلك الليلة كان مطرها شبيها جدا بذاك اليوم الصعب، نظرت من النافذة ، لم تر أحدا..

فالناس مختبئون في بيوتهم، وهي وحدها تراقب الشتاء وصوت الشتاء الذي يشعرها بالانتهاء...

وحدها تلتحف الذكريات ، التي تزيد من برودة الشتاء، لتفتت قلبها، وتمزق كبدها، وترقص على أشلائها، وتعزف لحن الانتهاء....

فهي بدون اطفالها...

جسد بلا روح

صورة بلا ملامح

كتاب بلا عنوان

اسم بلا هوية 

سفينة بلا شراع

تنتظر من يعيد لها ابتسامتها التي غابت بغيابهم، تنتظر من الشتاء ان يغسل قلوب البشر الحاقدة وينظفها ويطهرها كما يطهر وينظف الاماكن...

أسدلت ابتسام ستار غرفتها ، ودموعها تتنافس مع المطر ايهما أغزر، وصوت بكائها يتسابق مع صوت الرعد ايهما أهدر ....

توسدت أحزانها، وحضنت ذكرياتها، وعانقت المعطفين، وابتلعت الغصة التي باتت شوكة في حلقها، وغفت على أمل اللقاء، قبل أن يأتي الفناء...

فهل ستشرق في حياتها شمس اللقاء، أم أن حياتها تمزقت وكتب لها الانتهاء...


بقلم : بيسان مرعي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر