نظرات محال على المعاش....بقلم الأستاذ حشاني زغيدي


 نظرات  محال على المعاش   


مَعَ إِنِّي أَرْفُضُ تَسْمِيَةَ الْمُحَالِ عَلَى الْمَعَاشِ ، بِاسْمِ الْمُتَقَاعِدِ ، لِأَنَّنِي أَجِدُ فِيهِ مِنْ السَّلْبِيَّةِ مَا يُثِيرُ الْحَسَاسِيَةَ ، الْمُحَالُ عَلَى الْمَعَاشِ إِنْسَانٌ طَبِيعِيٌّ كَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الْمَوَاهِبِ ، يَوْمَ إِحَالَتِهِ عَلَى الْمَعَاشِ ، كَانَ فِي قِمَّةِ عَطَائِهِ ، كَانَ يَشْغَلُ وَظَائِفَ إِدَارِيَّةً وَتَرْبَوِيَّةً وَاقْتِصَادِيَّةً إِنْتَاجِيَّةً ، بَعْضُهَا فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ ، بَلْ الْمُؤْسِفُ إِنَّهَا لَمْ تُعَوِّضْ بَعْدُ إِحَالَةَ الْمُوَظَّفِ لِلْمَعَاشِ .


الْمُوَظَّفُ الْمُحَالُ عَلَى الْمَعَاشِ لَيْسَ رَجُلًا سَلْبِيًّا ، كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ أَشْبَاهِ الْمُثَقَّفِينَ ، بِوَصْفِهِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ كَيْفَ يَسُدُّ فَرَاغَ وَقْتِهِ ، أَوْ أَنَّهُ يَعِيشُ الْوَحْدَةَ وَالْعُزْلَةَ ، يَمْلَأُ فَرَاغَهُ بَيْنَ أَعْتَابِ الطُّرُقَاتِ أَوْ فِي الْمَقَاهِي ، أَوْ يَتَفَرَّشُ صَنَادِيقَ الْأَوْرَاقِ الْمَرْمِيَّةِ .

نَعَمْ ، قَدْ تَعِيشُ فِئَةٌ مِنْ الْمُحَالِينَ ضَنَكَ الْعَيْشِ بِسَبَبِ زَهَادَةِ الرَّاتِبِ الشَّهْرِيِّ ، أَوْ بِسَبَبِ الْأَمْرَاضِ الْمُزْمِنَةِ الَّتِي يُعَانِي مِنْهَا فِئَةُ الشُّيُوخِ وَالْعَجَزَةِ ، وَهَذَا مَوْجُودٌ وَلَا نُخْفِيهِ .


وَهَذِهِ الْحَالَاتِ يَتَوَجَّبُ أَنْ يَحْتَوِيَهَا نِظَامٌ اجْتِمَاعِيٌّ تَضَامُنِيٌّ يَتَكَفَّلُ بِالْعِلَاجِ وَالرِّعَايَةِ ، يُعَوِّضُ لِلْمَحَالِ جُزْءًا مِنْ ضَرِيبَةِ عُمْرِهِ الَّتِي قَضَاهَا فِي الْخِدْمَةِ ، يَوْمَ كَانَ يُبَدِّلُ قُصَارَى جُهْدِهِ فِي تَفَانٍ طِيلَةَ مَسَارِهِ الْوَظِيفِيِّ ، وَهَذَا التَّعْوِيضُ غَيْرُ مُفَعَّلٍ فِي نِظَامِنَا الِاجْتِمَاعِيِّ ، أَوْ غَيْرُ مَوْجُودٍ عَلَى أَرْضِ الْوَاقِعِ ، فَالْمَحَالُ مِنْ هَذِهِ الْفِئَةِ بِحَاجَةٍ لِاهْتِمَامٍ يُعَوِّضُ تَعَبَ الْأَيَّامِ وَضِيقَهَا .


وَهُنَاكَ فِئَةٌ عَرِيضَةٌ مِنْ الْمُحَالِينَ ، يُمَارِسُونَ حَيَاتَهُمْ الطَّبِيعِيَّةَ بِكُلِّ سَلَاسَةٍ ، يَقُومُونَ بِوَظَائِفِهِمْ الْحَيَوِيَّةِ كَسَائِرِ أَصْحَابِ الْوَظَائِفِ ، فِي نَشَاطِهِمْ الْمَعْهُودِ ، لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي وَضْعِهِمْ سِوَى الْمَكَانِ وَالْوَظِيفَةِ السَّابِقَةِ ، يُمَارِسُونَ نَشَاطَاتِهِمْ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْفِلَاحَةِ أَوْ فِي مَشَارِيعِهِمْ الْخَاصَّةِ ، يُسَاهِمُونَ كَغَيْرِهِمْ فِي الدَّخْلِ الْخَامِ الْوَطَنِيِّ ، وَهُنَاكَ فِئَةٌ أُخْرَى تُمَارِسُ أَنْشِطَتَهَا التَّطَوُّعِيَّةَ فِي الْخِدْمَةِ الْعَامَّةِ ، تَقُومُ بِأَدْوَارٍ مُكَمِّلَةٍ نَفْعِيَّةٍ ، رَغْمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ رِبْحِيَّةً ؛ لَكِنَّهَا فِي مِيزَانِ التَّنْمِيَةِ الْمُسْتَدَامَةِ لَهَا دَوْرٌ بَالِغُ الْأَهَمِّيَّةِ .


لِهَذَا لَا يَجِبُ أَنْ نُقَلِّلَ مِنْ دَوْرِ هَذِهِ الْفِئَةِ مِنْ الْمُجْتَمَعِ ، الَّتِي كَانَتْ يَوْمًا مَا تَشْغَلُ حَيِّزًا فِي خَرِيطَةِ الْوَظِيفَةِ الْعُمُومِيَّةِ ، سَاهَمَتْ فِي التَّنْمِيَةِ بِقِسْطٍ وَافِرٍ ، الْوَاجِبُ عَلَى الْقِيَادَةِ السِّيَاسِيَّةِ أَنْ تَحْتَوِيَهُمْ كَجَيْشٍ احْتِيَاطٍ نَفْعِيٍّ مُهِمٍّ ، يُسْتَفَادُ مِنْهُ فِي اسْتِكْمَالِ النَّقْصِ حَسَبَ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ ، خُصُوصًا الْكَفَاءَاتِ مِنْهُمْ ، وَهَذَا النِّظَامُ تَسْتَفِيدُ مِنْهُ الْأَنْظِمَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ أَوْ الْعَالَمُ الْأَوَّلُ ، وَ نَحْنُ أَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ ، لِمَا نَمْتَلِكُهُ مِنْ قِيَمٍ حَضَارِيَّةٍ وَدِينِيَّةٍ ، جَمِيعُهَا تُشَجِّعُ عَلَى اسْتِبَاقِ الْخَيْرَاتِ مِنْ جَمِيعِ عَطَاءَاتِ كُلِّ الْفِئَاتِ الْعُمْرِيَّةِ .


الْأُسْتَاذُ حَشَّانِي زُغِيدِي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر