إعادة إحياء الفكر القومي،مهمة من؟...بقلم الباحث حيدر فليح الشمري
إعادة إحياء الفكر القومي ، مهمة من ؟
تساؤلات
حيدر فليح الشمري
في زمن تكاد فيه القومية أن تُدفن تحت ركام الصراعات الطائفية والسياسية ، وتُنسى تحت ضغوط العولمة والثقافات المستوردة ، يبقى السؤال معلقاً في الأذهان ، من يتحمل مسؤولية إعادة إحياء الفكر القومي ؟
هل هو الفرد المحاصر بين شاشات الإعلام المتشابكة ، أم النخب المثقفة التي استبدلت ولاءاتها بجغرافيات محدودة؟
أم أنها الدول التي تآكلت مؤسساتها الوطنية لصالح أجندات خارجية؟
هذا التساؤل ينسج في ظله تشابكًا بين الماضي والحاضر ، ويمهد للحديث عن مهمة تجديد القومية في عالم يتسارع نحو التفكك ..
في بداية القرن العشرين ، كان الفكر القومي بارقة أمل للمجتمعات العربية التي أرادت أن تستعيد أمجادها وتؤسس لمستقبل جديد بعد عقود من الاستعمار والتبعية ، كانت القومية نافذة تعيد الشعور بالانتماء وتمنح الأمة هوية واضحة تُجمع عليها شعوبها المتنوعة ، من المحيط إلى الخليج ، بدأت الشعوب تتوحد تحت شعار ( الوطن الكبير ) ، حيث أصبحت الحدود السياسية أقل أهمية من الروابط الثقافية والتاريخية ، بيد أن الحلم القومي تعثر في منتصف الطريق ، وتحولت الدول القومية إلى مسارح لصراعات الأيديولوجيات والانقسامات الداخلية .
اليوم، يبدو أن الفكر القومي يعيش في ظلال الماضي ، مشاعر اليأس التي أحاطت بالفكر القومي العربي بعد الهزائم المتتالية والتحديات المستمرة جعلته أقرب إلى أسطورة منه إلى مشروع سياسي أو اجتماعي قابل للتطبيق ، ومع ذلك لا يزال هناك ضوء في نهاية النفق ، وإمكانية أن تستعيد الأمة العربية هويتها القومية وتعيد صياغة رؤاها الوطنية ، لكن هذا يتطلب إرادة حقيقية وتحديدًا لمهام من يجب أن يتصدر هذا المشروع ..
النخب المثقفة ..
يعتبر المثقفون والمفكرون الجسر الذي يربط بين الماضي والمستقبل ، عليهم أن يراجعوا التراث القومي ويعيدوا قراءة التجارب السابقة بموضوعية ونقد ، بعيدًا عن الرومانسية التي قد تغشي العيون ، الفكر القومي لا يمكن أن يولد من جديد إلا إذا تحرر من القيود الأيديولوجية الضيقة التي أعاقت تطوره في العقود الماضية ، على المثقفين أن يقدموا رؤية مستقبلية تقوم على الإبداع لا التكرار ، ويجب أن تكون هذه الرؤية قادرة على استيعاب التعددية الثقافية والإثنية دون أن تفقد جوهر الوحدة ..
الأجيال الصاعدة ..
كذلك، تقع على عاتق الأجيال الشابة مهمة كبيرة في هذا السياق ، الشباب هم الوقود الذي يمكن أن يحرك عجلة التغيير ، لكنهم بحاجة إلى أن يكونوا جزءًا من مشروع قومي جديد يتجاوز الخطابات التقليدية ويعانق التكنولوجيا والتطورات الحديثة ، إذا لم يتمكن الفكر القومي من التكيف مع التغيرات التي فرضتها العولمة والعصر الرقمي ، فإنه سيتحول إلى مجرد فكرة عتيقة لا مكان لها في العصر الحديث ..
الدولة ..
لا يمكن تجاهل دور الدولة في إعادة إحياء الفكر القومي ، الحكومات العربية التي تسعى للاستقلال الحقيقي وبناء مستقبل قوي يجب أن تجعل من القومية مشروعًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا ، لا يكفي أن تُرفع الشعارات وتُتلى الخطب ، بل يجب أن يكون هناك خطط استراتيجية تعزز من الهوية الوطنية والقومية على حد سواء ، المدارس ، والجامعات ، والإعلام الوطني يجب أن يكون لهم دور محوري في ترسيخ هذا الفكر من جديد ..
الوعي الجماعي ..
الفكر القومي لا يمكن أن يتحقق بدون استعادة الشعور بالانتماء الجماعي ، على المجتمعات العربية أن تتجاوز الانقسامات الداخلية التي تشتت صفوفها ، العروبة ليست قضية سياسية فقط ، بل هي شعور يمتد إلى اللغة ، إلى الأرض ، وإلى التاريخ المشترك ، إذا تمكنا من استعادة هذا الوعي الجماعي ، فإننا سنخطو أولى خطواتنا نحو بناء مشروع قومي جديد يتحدى الصراعات الداخلية ويواجه التحديات الخارجية ..
إعادة إحياء الفكر القومي ليست مهمة شخص أو فئة واحدة ، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب تعاون المثقفين ، الشباب ، والدول ، إنها رحلة معقدة لكنها ليست مستحيلة ، عندما تتضافر الجهود وتتوحد الرؤى ، يمكن لهذا الفكر أن يولد من جديد ، ويعيد للأمة العربية هويتها وقوتها التي طالما افتقدتها ..
الصحافي حيدر فليح الشمري
تعليقات
إرسال تعليق