تركت وراءك.. بقلم الأديب/خالد عبداللطيف

 تركت وراءك الاسوار وشجيرات السدر،تركت القبرة حتى كسا جلدها الريش وحلقت بعيدا كأنها تشاركك الرحيل،وعلى إيقاع رياح ساخنة تنذر بعاصفة رعدية،تجمعت طيور الجوش في البيادر،وقرب أكياس القمح والشعير تنقر الحب رفقة حمائم ثخينة،جمع المحصول،وغابت الابتسامة،وجهان متناقضان للطبيعة البشرية،نكران النعمة،وممارسة التقشف البهيمي الذي لايصلح لشيء،حتى الخوف من الغياب والوحشة،لم يكن يعني لك شيئا،اغلقت تجاويف القلب وصماماته،وتابعت الطريق كما تعودت أن تفعلي،وركض الصغار نحو الحقول الجافة الشائكة،ولم يقيض لهم أن يفهموا لماذا قدر عليهم هذا المصير المتعب والشاق؟ يهرولون في براءة تحت شمس حارقة ملتهبة ،تدميها المسالك الغير المعبدة،بدت لي الطريق طويلة وعاقة في غياب الرفيقة،وعلى طول المنحدر تعبر السحليات وذوات الحراشف زاحفة نحو الصخور الصلدة،والثقوب والمغارات في انتماء طبيعي لفصيلتها بدء بالمجلجلة وذات الإبر و القرني  و العناكب ذات الزغب الأصفر،والرتيلاء...

مسارات مختلفة،تتيه بين فراغات هضاب لايؤتمن جانبها ،وأنت المتعودة على قساوة الطبيعة جعلتك غليظة الطبع خشنة العواطف ، تتأقلمين مع الضواري وسباع الوادي،وأنا الاحمق الذي أمطر الارض دموعا،وسقى القفار اليباب بعبرات منهمرة كقوة الغيث،كنت اعتقد انهم سيبكون لبكائي،وسيقولون كلاما كبيرا وطويلا وحزينا وصادقا ،وكنت اعتقد ايضا أن دموعي ستؤثر فيهم،وان اقل شيء يفعلونه هو معانقتي،لكنه لم يفعلوا ،تراكضوا بقوة الاحصنة،وبعقيدة وحيد القرن،اطلقوا سيقانهم للريح،عانقوا الطبيعة القاسية،كانت جوقة الباطنية تستعد للخروج،تحدث اصواتا مريبة لايعرفها ويعي خطورتها إلا من خبر طبيعة المنطقة وعرف خباياها...

وحدك..بحذائك الرياضي تهربين للامام وباستسلام ملتبس،تصعدين تلك الهضبة،بلا وداع او خطبة هجر أو هجران..الاخرون المحجوزون بين رياضة يتقنونها في عز الصيف،مستعملين ادوات بدائية لكنها ناجحة،لايبلون ولايبالون بمشاعر من يخاف من الغياب او الرحيل،لاوقت لديهم للاصغاء لخطاب معتوه مثلي،يريد أن يبكي الحجر والشجر والقمر،هم يستمدون من الليل طاقة للنهار،أما الحب عندهم  يصرف بطرق اكثر مكرا ودهاء،ومن الضفة الاخرى تعبر السيارات الفلاحية والمدرسين في الغابة التي اصبحت قلقة هذه الايام،بسبب الحرائق والعواصف الرعدية،انا المجنون المأفون لو كنت هناك،لما تركت الغابة لوحدها، ولن اجعلها تقلق،لأن الحمل لم يكن شرعيا،والصبية ضحك عليها في السر والعلن..

وحده الفراغ،والخلاء الفارغ الممتد على مرأى البصر،يجعل الليبدو نشطا وحركيا،على الاقل تلتقي العسيلتان، وأن تنتقم  من المكرط حيث لاحجر ولاسجر..

في ظل اليأس والقنط،أقول للصغيرة : كل خيمة، وتكملها مبتسمة..ولدت علام...ولكن هذه الايام لم تعد القبائل تلد علاما او علامة...

هناك..تلك الهضبة..هل تراها..ه ..ض..ب..ة..كانت فوق الارض. واصبحت تحتها...

وبما ان الوضع لم يعد يسر صديقا او عدوا،فقد فطنت البوم  للحيلة،واختفت رفقة النغاف والحسون،والغراب..وحدها الثعالب حافظت على اماكنها في انتظار ظهور العسيلة...والعسل..

بالمناسبة تذكرت ماقالته لي العظام الراشية..كم من النحلات قتلت ياخالد؟ هل كان القتل من اجل العسل ام من اجل النحلات؟

خالد عبداللطيف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر