المنافسة في الخير.. بقلم الكاتب/أ. حشاني زغيدي
المنافسة في الخير
إن أصحاب المشاريع الجادة يبحثون دائما عن منافس جاد ناجح قوي، يكون ندا لهم في المنافسة، به يكسرون الجمود، أما النكديون فيبحثون عن خصم لهم يتراشقون معه بالسباب و كيل التهم، و رصد العيوب.
و قد شرع الله المنافسة في الخيرات في قوله تعالى ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)﴾ [سورة المطففين]
إن الذين يضيقون بالمنافسة أناس نرجسيون ، منعتهم ضعيفة في المنافسة ، فتراهم يجنحون للثورة العنيفة ، لأنهم لا يقاومون الشخصية القوية الجادة ، فتراهم يصدرون أحكاما عاطفية ، هروبا من المنافسة الشريفة ، كما ترى أحكامهم فوقية مترفعة، أحكام تستصغر الخصوم و المنافسين ، لأنهم في تصورهم فوق النقد، و أطروحاتهم منزهة من العيوب ، فهم يرون أن الطرف الأخر وجوب الانسياق لهم طوعا ، لأنهم ببساطة يمتلكون الحقيقة المطلقة .
أن الأشخاص الذين يضيقون بالمنافسة تشغلهم الأحكام النهائية ، فبذل أن يناقشوا المشاريع و البرامج ، تجدهم مصرفون للحد المتطرف سلبا أو إيجابا ، فبذل الميل لمناقشة الأفكار و بيان العلل ، و توضيح الألغام ، أو الوقوف عند المحاسن و الإيجابيات بالتحليل و المحاججة ، لكنهم يفرضون حصر الجمهور المتابع في الزوايا الحادة ، استصغار الآخر بأن له وصي يقدر و يحكم ، و ما على الطرف الضعيف في نظره إلا المباركة و التصفيق ، كأن الإنسان الراشد المميز فاقد للأهلية ، يطبقون سياسة الأقوياء ( أغمض عينيك و اتبعني ) و الخقيقة أن قانون المنافسة يرفض مثل هذا ؛ لأن المسائل التي يعمل فيها النظر تقديرية و ميزان المفاضلة فيها وارد ، لأن منطق السياسة الشرعية ليس هناك شر مطلق أو خير مطلق ، إنما هو تقدير المصلحة و تحييد المفسدة .
عند العقلاء المنصفون تظل المنافسة في الحياة ضرورة تمليها سنة الحياة ؛ لأن ما نراه اليوم من ذبول في حياتنا بكل تشعبانها مرده لضيق الأفق ، و الضيق بالتنوع الذي هو مصدر إلهام للإبداع ، فمناخنا اليوم للأسف يرى التنوع الطبيعي بدعة ، يجب محاصرتها و التضييق عليها ، لأن الفكر المبدع يحبس أنفاسهم .
في الحقيقة الأمر يعد قبول الآخر قمة التحضر و الرقي ، فالمنافس الشريف دائما يبحث له عن شريك و منافس ، حتى تنتعش الفضاءات و تزهر ،منافس يصنع من المنافسة فضاء تتناقح فيه الأفكار ،فضاء تتبادل الرؤى ، فتزول العقبات و الحواجز المضروبة بين المتنافسين ، في هذا السباق يكون فيه البقاء للأصلح ،يكون فيه البقاء لصاحب النفس الطويلة ، يكون فيه البقاء المشاريع الجادة النافعة ،المشاريع ذات النفع المشاريع الخادمة للإنسانية .
في ختام المقال يجب أن ننوه و نذكر ؛ إن الأمة اليوم بحاجة لكل أبنائها باختلاف مشاربهم و قناعتهم الفكرية ، فمشروع الأمة في الحقيقة لا يبنيه فصيل بمفرده ، أو جماعة بمفردها ،أو منظمة بمفردها ، إنما يبنى المستقبل المنشود بجهود بسواعد كل المخلصين من الأبناء ؛
تلتقي هذه كل الإيرادات الخيرة على البناء لا الهدم ، تلتقي على الخير ، تحفز بعضها بعضا على البناء و التعمير ،هذه الإيرادات و الموارد و المشاريع تفتح مجالها لكل الجهود الداعمة، تفتح مجالها لكل من يريد السباق في مشاريع الخير ، تفتح مجالها لكل من يريد إضافة بصمة جديدة في صرح البناء الحضاري للأمة .
:
يقول الله تعالى :
﴿لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ(61)﴾
[سورة الصافات]
الأستاذ حشاني زغيدي.
تعليقات
إرسال تعليق