عنزة القطيع...بقلم الكاتب والاديب عبد الحفيظ بوساحة

 




في زمن مضى رغم الفقر كانت الحياة بسيطة رغم غياب كل مظاهر الرفاهية و التمدن نتيجة أن البلاد كانت في مرحلة فتية بعد إستدمار طال قرن ونيف قضى على الأخضر و اليابس ، كنا نسكن بيتا صغيرا متواضعا فيه غرفة واحدة و بهو  يتم الطبخ فيه بالحطب ، فحينها لم تكن هناك لا كهرباء و لا غاز و لا صرف صحي و لا ماء يصل للحي البائس سوى عين واحدة وسطه و بمعدل مرة واحدة في الأسبوع لكل الحي بما فيه حيواناته من ماعز و دجاج .. ، كنا نملك عنزة كباقي سكان الحي و الأحياء المجاورة فلا يخلو بيت من البيوت و إلا فيه عنزة أو عنزات تدر على أهل البيت بقطرات من الحليب يستعمل أغلبه في فطور الصباح و ما فاض عنه يمخض ليصير لبنا أو احيانا يتم إستعمال الحليب مع الكسكس ، فقد كانت حياة الناس آنذاك بسيطة قدر إستطاعتهم ، الجميل في ذلك الزمن أن كل شيئ كان بسيطا فلا ترى تذمرا و لا إنزعاجا و لا شكوى رغم الفقر ، لكا كبرنا صرنا نسمي ذلك الوقت بالزمن الجميل .

اليوم وبعد مرور سنوات عديدة من ذلك الزمن صار ذلك الحي البسيط الريفي مدينة تتوفر فيه كل مرافق التمدن الضرورية و بهذا قد إختفت مظاهر الريف من الحي البائس حتى قطيع الماعز الذي كان يحدث ضجيجا كل فجر ليتحق بالراعي الذي يقوده نحو التلال المجاورة للرعي و يعود مساءا للحي يقوده تيس القطيع ذا الجرس ، فتسمع الصبية من بعيد رنات الجرس مع صياح الماعز و الجديان و كأنها سيمفونية تعزف أنغاما .

اليوم لا ماعز و لا حليب طازج و هذا لأن التمدن يمنع تربية الماعز داخل الأحياء السكنية فقد علقت قرارات من طرف الإدارة  و تم زج الماعز الذي يوجد في الشارع كم من مرة في محشر البلدية و غرم أصحابها و عانت البلدية  و عانى الناس من هذا الأمر فلا الناس إستطاعت التخلي عن ما ورثوه من عادات و لا البلدية إستطاعت السكوت عن بدونة المدينة فنحن في عصر الحضارة كما يقولون ! ، فكان الحل توفير مادة الحليب في كل مكان و بأسعار تناسب الجميع و حينها تخلى أهل الحي عن الماعز و دخلوا الحضارة أفواجا .

بعد سنوات إستقر الأمر فكل شيئ يسير على ما يرام ، حتى إنقلبت الأمور و أصبح الحليب نادرا و السوق غير مستقر ، فاليوم اصبحت عنزة سكان الحي بل كل الأحياء المجاورة عنزة واحدة تأتي مرة او مرتين في الأسبوع فإن أخذ منها جماعة حرمت الجماعات الأخرى ، هاته العنزة اصبحت تسير على عجلات بدل الأرجل  و يقال أنها يجب أن تنتظر دورها في الطابور لتعلف لأن علفها يأتي من الخارج لا خارج الحي بل خارج البلاد برمتها ، نعم يا سادة اصبحت عنزتنا تساير و تواكب الحضارة ، فهي العنزة الوحيدة التي ترضع القطيع بأكمله .


عبد الحفيظ بوساحة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر