بقايا إنسان.. 8..بقلم الأديب/حسن أحمد الفلاح

 بقايا إنسانٍ ( 8 )

انظري جيّداً حبيبتي ، ها هم يقتربونَ منّا ، يرمَلونَ بهوجٍ غريبٍ ، يحملونِ نعشاً ، ليس كالنّعوشِ الأخرى ، يا إلهي ماذا يوجدُ فيهِ ؟ ، لا يوجدُ على وجوههم ما يثيرُ نوازعَنا من الحزنِ والكآبةِ ، يبدو أنَّ في الأمرِ سرّاً غريباً ، اقتربوا منّا تماماً ، رمقني أحدُهم بنظرةٍ خبيثةٍ ، وجهُهُ يقطرُ سُمّاً ، قطِبَ حاجبيهِ ، ارتسمَتْ على تضاريسِ وجههِ تجاعيدٌ متموّجَةً ، كأنّها تحكي قصّةً مليئةً بالعَنَتِ ، والضّنكِ ، يا أنا ! لا أدري ماذا يخبِئونَ لنا ، أظنَّ أنّهم يختفونَ وراءَ كارثَةٍ عظيمةٍ ، فجأةً إذا بجنازةٍ أخرى يقتحمونَ فيها المقبرةَ ، لقد لَجَّ المكانُ بهتفاتٍ مخيفةٍ ، يلهجونَ فيها بأصواتٍ مريبَةٍ ، لم أفهمْ ما يقولونَ ؟ يا أنا ! إنّهم يجتمعونَ بالقربِ من قبرٍ يسوّرهُ قفصٌ من الحديدِ المتهالكِ ، أراهم يحرّكونَ أيديهم ، يثيرونَ من خلالِ إشاراتِهم ذعراً مفاجئاً ، يخيفُنا كثيراً .. إنّهم واروا نعوشَهم تحتَ التّرابِ على عجالةٍ من أمرِهم ، طفِقَ أحدُهم يضعُ أوراقَ الأشجارِ على سطحِ القبورِ ليخفي التّرابِ المغمّسِ بالرّطوبةِ الجَعِدةِ ، كلّمْتُ فتاتي بهودوءٍ : انظري حبيبتي ، هل رابَكِ أمرٌ ما من خلالِ ذلك ؟ أجل أعتقدُ أنَّ الجنازتينِ يختفي وراءَهما سرٌّ عظيمٌ ، أخشى أنْ يكونوا قد أخفوا لا… لا إنّ بعضَ الظّنِّ إثمٌ ، تضاهرْتُ في هذهِ الأثناءِ أنّني أنظّفُ القبورَ ، أخفيتُ الفتاةَ في حفرةٍ قريبةٍ منّا ، أخشى أنْ يفعلوا لها شيئاً ، غطّيتُ القبرَ بقطعةٍ من الرّخامِ المسطّحِ ، كانتْ كافيةً أنْ تغطي القبرَ تماماً ، اقتربَ الرّجلُ الأشعثُ من القبرِ الذي أخفيتُ فيهِ فتاتي ، بدأ يوميءُ للآخرينَ أنْ تعالوا إلى هنا ، تقدّمَ البعضُ منهم إليهِ ، أشارَ إلى القبرِ ، اعتراني خوفٌ شديدٌ ، نظرْتُ إلى أحدِهم علّني أرى في وجهِهُ خيطاً من الرّحمةِ كي أنسجَ لنفسي ثوباً منَ التّفاؤلِ ، والأملِ يُسعفُني قليلاً من حالةِ الإرباكِ ، والتشتّتِ ، بل والتّوجّسِ ، كنْتُ أنظرُ بهلعٍ شديدٍ إليهم ، يشوبُني خوفٌ جثَمَ على قلبي ، اكتنزِ عندي كلُّ شيءٍ ، أتى أحدُهم إليَّ ساقني معهُ ، لا أدري إلى أيّ مكانٍ سيكونُ المنتهى ، غمغمَ عينيّ ، أصبحَ كلّ شيءٍ حولي مظلماً ، لا اقوى على رؤيةِ شيءٍ ، اشتدّ خوفيَ ، كانَ خوفٌ مركّباً تنافسَتْ عندَهُ جنودُ الحيرةِ ، والقلقِ ، أصبحَ كلُّ شيءٍ باهتاً ، يلوذُ وراءَهُ توجّسٌ مريبٌ جدّاً ، في هذهِ الأثناءِ سمعْتُ صوتَ طائراتِ تصدرُ أصوتاً قويّةً ، تثيرُ الرّعبَ في المكانِ ، لم أسمعْ أصواتَهم بعد سوى صوتُ الطّائراتِ يضجُّ منهُ المكانُ ، لم أعرفْ أينَ أنا ، كادَتْ القيودُ تقطّعُ يديّ ، والعصبَةُ تطفيءُ عينيّ ، يا إلهي من هذا الذي يفكُّ قيدي ، ويحرّرني من ذلك الكابوسِ المرعبِ ، مين ؟ مين ؟ 

إلى لقاءٍ آخرٍ مع 

حسن أحمد الفلاح



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تواطؤ الضوء مع ظلك...بقلم الشاعر جبران العشملي

اِنتظرتك...بقلم الشاعر صالح دويك

رفقا بنا يازمن....بقلم الشاعر البشير سلطاني

يامصر لك كل الأشعار والأدب...بقلم الشاعر حسين نصرالدين

كيف أنساك...؟!!!...بقلم الشاعر معمر حميد الشرعبي

مناجاة صب...بقلم الشاعرة روضة قوادر

مهلا...!....بقلم الشاعر محمد مطر

بيني وبينك...بقلم الشاعر حسن الشوان

المدينة الحالة.. بقلم الأديب والشاعر/محمد أحمد الرازحي رزوح

المحبة....بقلم الاديب إبراهيم العمر