لقاء الخريف.. قصة قصيرة.. بقلم الأديب/د. محمد المصري
لقاء الخريف..!!
*******
كان لزاما عليه أن يعبر ضفة النهر ليلتقي بها.وبرغم الأنواء والعواصف وتلك السماء الملبدة بالغيوم مما يوحي حتما وبلا أدني شك. من سقوط أمطار وبغزارة أيضا.
لكنه أصر علي الذهاب وعبور النهر وليترك مصيرة لقدره المحتوم.
صمم علي الذهاب ..للقاء لعدة إعتبارات تكمن في مخيلته.
فقد مضت أيام بل ربما عدة أشهر لم يلتقيا خلالها..وأثناء تلك الفترة لم تصله رسائلها والتي كانت دوما تصله بإنتظام وفجأة انقطعت رسائلها دون أسباب واضحة.
من هنا قرر العبور وليكن مايكون.
استيقظ من نومه مبكرا كعادته رغم برودة الجو وطقسه المتغير
تناول قهوته وهو يقلب في أوراقه كمن يبحث عن شئ ما
مظروف ضخم افرغ محتوياته من كم الاوراق التي بداخله وأخذ يقلب بها..لفت نظره تلك الرساله والتي ربما قرأها مرات عديدة والتي كاد أن يحفظ محتواها عن ظهر قلب .عدد سطورها..عدد كلماتها. لكنه أبدا لم يمل من قراءتها.
عزيزي..أكتب إليك بعد أن هبت علي قلبي رياح من الغدر والخيانة
أجل الغدر والخيانة وتلك المأساة التي عشناها سويا في جحيم من الفكر والدموع..عشنا نجتر أحداث الماضي السحيق الذي رسم لنا طرقا شرسة معوجة وبعزيمة أقوي من الفولاذ إجتزنا تلك الطرق وعبرنا لبر الأمان..
توقف لحظة عن القراءة وجال ببصره عبر حجرته الضيقة وتلاقت نظراته مع نظراتها من خلال ذلك الإطار المعلق أمامه علي الجدار
أمعن النظر..تأمل ذلك الملاك وتلك النظرة الحالمة وتلك البراءة التي تشع من عينيها السوداوان وتلك الابتسامه الساحرة الغامضة
تأملها وكأنها صورة حية لإله من آلهه الاغريق.
طوي الرساله وضمها لبقية الرسائل وضعها في المظروف .
أشعل سيجارته وهو يتجه نحو النافذة ليستطلع أحوال الجو.
نظر لساعته..تقترب من الثامنة. ارتدي ملابسه علي عجل..تناول معطفه وغادر حجرته صوب النهر ليجد الزورق في انتظاره ورغم تحذيرات صاحب الورق إلا أنه صمم علي العبور.
هطلت الأمطار بقوة وهو في منتصف النهر وقاوم التيارات الهوائية دون جدوي..تهشم المجداف..وتلاعبت الرياح بالزورق
وهناك علي الضفة المقابلة كانت تنتظر.
أجل إنها هي..كمن كانت علي موعد..
كان المشهد يثير الرعب والزورق يلف ويدور حسب إتجاه الريح تاره من اليمين..تارة من الشمال..وأخري من الخلف وأخري من الأمام..كان لا يجيد السباحة..خارت قواه ولم يستطع المقاومة
انه رجل تجاوز الخمسين من العمر..ولم تسعفه قواه علي المقاومة ..
إنقلب الزورق..هي هناك علي الشاطئ تشهد مايجري في هلع وريبة.فتاة هو كل ماتملكه من حطام الدنيا هو ذلك الرجل بعد أن فقدت كل شئ.
ألقت بنفسها عبر النهرسارعت الأنواء تحدت حتي طبيعة الأشياء حولها وصلت اليه بعد عناء طويل وجدته يترنح حاولت مساعدته دون جدوي تاهت نظراته في وجهها البرئ.
تمتم لها قائلا قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة..ألم أسألك يوما..هل يلتقي الربيع مع الخريف؟؟!!
*******
محمد المصري
2022/12/25
تعليقات
إرسال تعليق